titima
blanca
سلمان الفارسى
نشأ سلمان في فارس ، في قرية تسمى جيّان ، فتح عينيه على الرخاء والنعيم
، لأن أباه كان من أغنى أهل قريته ، ولكنه كان مولعا جدا بالمجوسية ، محافظا على طقوسها أشد المحافظة !.
وكان سلمان في قلبه حب عميق ، وتعلق عريق بما يبدو على مخايله من أمارات تدفعه لذلك .
زرع الوالد في قلب الولد حب المجوسية ، حتى أوغل في حبها ووصل في شغاف قلبه ,
عين قيََّما على النار التي تعبد ، وأسند له هذا الأمر المهم ، فكان سلمان لا يدعها تخمد ليلا ولا نهارا ، لشدة حبه لها !.
كان لأبيه ضيعة قريبة من قريته, يستفيد من غلتها ، ويجنو من ثمارها.
فأرسل يوما ولده الأثير نيابة عنه لعائق عاقه لأن الوالد كان لا يسمح لابنه أن يغادر بلدته خوفا عليه .
سافر سلمان لتلك الضيعة امتثالا لأمر أبيه , ونزولا عند رغبته.
وكان في القرية قوم يعبدون الله تعالى على دين المسيح , ولهم كنيسة يصلون فيها.
فلما رأى سلمان عبادتهم استحسنها وفضلها على عبادة أبيه ، لأنه كان يجهل غير دين المجوسية لطول ما حبسه تلك المدة.
قال سلمان: فدخلت الكنيسة ، وتأملت طويلا ما يفعلونه ، فقلت في نفسي :
هذا والله خير مما نحن عليه ، فولعت بهم ، وسألت قيّم المعبد ، أين أصل هذا الدين ؟ فأجابني : أنه في بلاد الشام .
فعدت إلى أبي بعدما أرخى الليل ستوره ، واشتد ظلامه ، ولكن قلبي معلق بهم ، فسألني والدي عن سبب تأخري ؟ فصدقته , وقصصت عليه ما رايت .
فذعر أبي من صنيعي واستشاط غضبا ، وقال في شدة : ليس في ذاك الدين خير ، غلزم يا سلمان دينك ودين آبائك وأجدادك .
قال سلمان : فلم أتمالك نفسي , فقلت بكل جرأة : كلا والله إن دينهم خير من ديننا !.
فخشي أبي علي من الردة !. فحبسني وجعل القيد في رجلي ،
فأتيحت لي فرصة , فأرسلت إلى أحبار الكنيسة وقلت لهم : إذا علمتم بركب يريد الذهاب إلى بلاد الشام ، فأخبروني بذلك.
فلم يمض إلا قليل من الزمن ، فجاءني البشير قائلا : إن ركبا مر علينا وهو متجه إلى الشام.
فتحّينت الوقت المناسب ، واحتلت على القيد حتى حللته ، وذهبت خفية مع الركب حتى حتى وصلت بلاد الشام ، فسألت عن أعلم من فيها بدين النصارى ؟ فدللت عليه ، والتزمته التزام كاملا ، وخدمته بإخلاص وصدق . زإذا به رجل سرء ، يصطاد النيا بالدين!.
يأمر قومه بالزكاة ، ويرغبهم في الثواب الصدقة ، فإذا ما أعطوه الأمال الكثيرة حبسها عن الفقراء ، وادخر لنفسه !. فانكمشت عنه وكرهت صنعه ، إلى أن مات .
فاجتمعت النصارى يعزون بعضهم بعضا بذاك المصاب .
قلت لهم : إن صاحبكم هذا رجل غير صالح!.
فقالوا : ويحك ......من أين علنت؟
قال سلمتن: لأنه كان يأخذ صدقاتكم ، ولم يعط شيئا للمساكين . وها هي قلال الذهب والفضة مدفونة هنا ، فكان كما أخبر .
فرجم بالحجارة وقدّمت جثته للكلاب!.
ثم نصبوا مكانه آخر ، فلزمته ـــــ أيضا ــــــــ مبتغيا الفائدة ، فما رأيت رجلا أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة منه, فكان دؤوبا على العبادة , يصوم النهار ويقوم الليل.
فأحببته حبا عميقا , وصحبته زمنا طويلا ، حتى حضرته الوفاة ، فقلت له , والحزن يغمرني : من تأمرني أن أصحب بعدك ؟ فقال :
أي بني : لا أعلم أحدا على ما كنت عليه إلا رجلا بالموصل , فلم يحرّف شيئا من الإنجيل ولم يبدله.
فلحقت به بعد تمام دفن صاحبي.
فدخلت عليه وقلت له : إن فلانا اوصاني عند موته أن ألحق بك .
فرأيت منه : أهلا وسهلا ، فلتزمته فوجدته على حال حسنة إلى أن احتضر .
فقلت له : إلى من توصي بي بعدك ؟ فقال : أي بني : لا أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه غلا رجلا بنصيبين ، فلما تم لحد صاحبي وغيب في القبر ، فشددت العزم ، ولحقت به ، وأخبرته خبري فأحسن قراي ، وشملني بحنانه ، فأقمت عنده فوجدته كما وصف لي ، وصحبته طويلا واستفدت من حاله ، حتى به نزل به ما نزل بمن قبله .
فقلت له : بمن توصي بي ؟ فصدقني وقال : لا أعلم أحدا بقي على أمرنا إلا رجلا بعمورية ، فلحق به .
فلحقت بصاحب عمورية ، وصحبته ، واكتسبت عنده بقرات وغنيمة ، ثم ما لبث أن احتضر ، فاستوصيته فقال : أي بني : لم يبق أحد على ظهر عمورية مستمسكا بما كنا عليه ، لكنه قد أظل زمان يخرج فيه بأرض العرب نبي، يبعث على الحنيفية السمحة دين إبراهيم ، ثم يهاجر إلى أرض ذات نخل ، وله علامات ثلاث ، فحفظها عني:
1 ـــ يأكل الهدية
2 ـــ لا يأكل الصدقة
3 ـــ بين كتفيه خاتم النبوة
فإن استطعت أن تلحق زمنا طويلا بعدما فجعت بصاحبي ، وأنا أترقب واسأل ، إلى أن مرت قافلة من تجار العرب ، فقلت بشوق وشغف : إن حملتموني معكم إلى أرض العرب ، لأعطيكم ما معي من بقر وغنيمة.
فقالوا : نعم ! فأعطيتهم ما معي ، حتى إذا بلغنا وادي القرى ، فغدروا بي وباعوني لرجل من اليهود! فالتحقت بخدمته ، ثم باعني من رجل من اليهود بني قريظة ، ونقلني معه إلى يثرب فرأيت النخيل فتذكرت قول صاحبي بعمورية ، وعرفتها من يومئدذ بالوصف الذي ذكرها لي .
زكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قومه في مكة ، ولكن صاحبي القرظي لا يعرف الرحمة وكيف تكون ، فدأبني على العمل الشاق ليل نهار في خدمة النخيل ! وهذا شيء لم أكن أعلمه من قبل ؛ لأني عشت ف قرية عند أبي ، كما يعيش أولاد الملوك والأمراء .
فلم أتمكن من شدة تعبي ، من البحث والسؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى دارت الأيام دورتها ، فهاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يثرب وأنا في رأس نخلة أصلحها ، والشمس تقذف بشعاعها على رأسي كالسهام المحماة ، يغلي منها دماغي ! وسيدي جالس تحتها ، إذأقبل ابن عم له وقال: قاتل الله بني قيلة!.
فقال : ويحك لم ؟
قال : لأنهم قد اجتمعوا في قباء على رجل قدم عليهم من مكة يزعم انه نبي ! فما سمعت مقالته حتى اختلجت فرحا كنا يختلج من مسه المس من الجن ، فخشيت أن أسقط على سيدي ، وبادرت مسرعا إلى النزول ، حتى صرت ثالثهما وطلبت منه ان يعيد علي الحديث!ز
فما كامن من سيدي اليهودي إلا أن جمع يده ولكمني لكمة شديدة وقال لي : ما لك ولهذا الحديث الفضولي إ عد إلى ما كنت عليه من عمل ! فواصلت عملي حتى دخل وقت المساء وأرخى الليل ستوره ، وعلمت أن سيدي قد استغرق في نومه فاخذت بعض ما أستحقه من التمر ، وتوجهت خفية إلى قباء ، مشيا على الأقدام ، فاستأذنت على رسول الله ، فأذن لي ، ودخلت عليه ، وإذا وجهه كأنه فلقة قمر ، وحديثه يهز القوب ، ويذرف العيون.
فأردت أن اقف على العلامات التي حفظتها من صاحب عمورية ، فقلت له : إنه بلغني أنك رجل صالح , ومعك اصحاب محاويج، وهذا شيء كان عندي للصدقة ، فقدمته بين يديه .
فقال لأصحابه : هلموا فكلوا نصيبكم ، وأمسك بيده عن الأكل .
فقلت في نفسي : هذه واحة من ثلاث .
ثم انصرفت من مجلسه ، ولم يعلم احد ما كنت أحمل في قلبي من الفرح والسرور ، حتى نسيت تعبي وجهدي في عملي ، فعدت إلى نخلي وشرعت أجمع شيئا من التمر .
فسمعت أن رسول الله قد تحول من قباء إلى المدينة ؛ فجئته وسلمت عليه ، وقلبي يزداد انجذابا وتعلقا به .
فقلت له : هذه هدية أقدمها لك , فأكل منها , وأذن لأصحابها فأكلوا معه فاستبشرت وقلت في نفسي : هذه الثانية .
ثم جئته في المرة الثالثة ، فإذا هو ببقيع الغرقد ، حيث كان يواري أصحابه ، فرأيته على شفير القبر ، يذكر الله ويدعو ، وعليه شملتان ، فسلمت ، وأصحابه حوله كالكواكب المستنيرة ، ثم تحينت أن أنظر إلى ظهره ، لعلي أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحب عمورية .
فلما رآني عليه الصلاة والسلام ، أطيل النظر إلى خلفه ، عرف غرضي فأرخى رداءه عن ظهره لأتمكن منه ، وإذا به كما وصفه صاحبي ، فانكببت عليه أقبله ، وأبكي بكاء الثكلى !.
فقال عليه الصلاة والسلام : ما خبرك ؟ لما رأى من شدة البكاء .
فسردت عليه الصلاة والسلام ما جرى لي ، فأعجب كثيرا من هذه القصة ، وأحب أن أسمعها لأصحابه ، لما فيها من دروس وعبر .
فرضي الله عنك يا سيدي يا سلمان .
فقد أعطيت درسا كبيرا للأجيال المتتابعة ، في الصبر على المكاره ، وتحمل أبعء تميع دونها الصخور الراسيات ، في سبيل طلب الخير والوصول إلى الصواب.
نشأ سلمان في فارس ، في قرية تسمى جيّان ، فتح عينيه على الرخاء والنعيم
، لأن أباه كان من أغنى أهل قريته ، ولكنه كان مولعا جدا بالمجوسية ، محافظا على طقوسها أشد المحافظة !.
وكان سلمان في قلبه حب عميق ، وتعلق عريق بما يبدو على مخايله من أمارات تدفعه لذلك .
زرع الوالد في قلب الولد حب المجوسية ، حتى أوغل في حبها ووصل في شغاف قلبه ,
عين قيََّما على النار التي تعبد ، وأسند له هذا الأمر المهم ، فكان سلمان لا يدعها تخمد ليلا ولا نهارا ، لشدة حبه لها !.
كان لأبيه ضيعة قريبة من قريته, يستفيد من غلتها ، ويجنو من ثمارها.
فأرسل يوما ولده الأثير نيابة عنه لعائق عاقه لأن الوالد كان لا يسمح لابنه أن يغادر بلدته خوفا عليه .
سافر سلمان لتلك الضيعة امتثالا لأمر أبيه , ونزولا عند رغبته.
وكان في القرية قوم يعبدون الله تعالى على دين المسيح , ولهم كنيسة يصلون فيها.
فلما رأى سلمان عبادتهم استحسنها وفضلها على عبادة أبيه ، لأنه كان يجهل غير دين المجوسية لطول ما حبسه تلك المدة.
قال سلمان: فدخلت الكنيسة ، وتأملت طويلا ما يفعلونه ، فقلت في نفسي :
هذا والله خير مما نحن عليه ، فولعت بهم ، وسألت قيّم المعبد ، أين أصل هذا الدين ؟ فأجابني : أنه في بلاد الشام .
فعدت إلى أبي بعدما أرخى الليل ستوره ، واشتد ظلامه ، ولكن قلبي معلق بهم ، فسألني والدي عن سبب تأخري ؟ فصدقته , وقصصت عليه ما رايت .
فذعر أبي من صنيعي واستشاط غضبا ، وقال في شدة : ليس في ذاك الدين خير ، غلزم يا سلمان دينك ودين آبائك وأجدادك .
قال سلمان : فلم أتمالك نفسي , فقلت بكل جرأة : كلا والله إن دينهم خير من ديننا !.
فخشي أبي علي من الردة !. فحبسني وجعل القيد في رجلي ،
فأتيحت لي فرصة , فأرسلت إلى أحبار الكنيسة وقلت لهم : إذا علمتم بركب يريد الذهاب إلى بلاد الشام ، فأخبروني بذلك.
فلم يمض إلا قليل من الزمن ، فجاءني البشير قائلا : إن ركبا مر علينا وهو متجه إلى الشام.
فتحّينت الوقت المناسب ، واحتلت على القيد حتى حللته ، وذهبت خفية مع الركب حتى حتى وصلت بلاد الشام ، فسألت عن أعلم من فيها بدين النصارى ؟ فدللت عليه ، والتزمته التزام كاملا ، وخدمته بإخلاص وصدق . زإذا به رجل سرء ، يصطاد النيا بالدين!.
يأمر قومه بالزكاة ، ويرغبهم في الثواب الصدقة ، فإذا ما أعطوه الأمال الكثيرة حبسها عن الفقراء ، وادخر لنفسه !. فانكمشت عنه وكرهت صنعه ، إلى أن مات .
فاجتمعت النصارى يعزون بعضهم بعضا بذاك المصاب .
قلت لهم : إن صاحبكم هذا رجل غير صالح!.
فقالوا : ويحك ......من أين علنت؟
قال سلمتن: لأنه كان يأخذ صدقاتكم ، ولم يعط شيئا للمساكين . وها هي قلال الذهب والفضة مدفونة هنا ، فكان كما أخبر .
فرجم بالحجارة وقدّمت جثته للكلاب!.
ثم نصبوا مكانه آخر ، فلزمته ـــــ أيضا ــــــــ مبتغيا الفائدة ، فما رأيت رجلا أزهد في الدنيا ، ولا أرغب في الآخرة منه, فكان دؤوبا على العبادة , يصوم النهار ويقوم الليل.
فأحببته حبا عميقا , وصحبته زمنا طويلا ، حتى حضرته الوفاة ، فقلت له , والحزن يغمرني : من تأمرني أن أصحب بعدك ؟ فقال :
أي بني : لا أعلم أحدا على ما كنت عليه إلا رجلا بالموصل , فلم يحرّف شيئا من الإنجيل ولم يبدله.
فلحقت به بعد تمام دفن صاحبي.
فدخلت عليه وقلت له : إن فلانا اوصاني عند موته أن ألحق بك .
فرأيت منه : أهلا وسهلا ، فلتزمته فوجدته على حال حسنة إلى أن احتضر .
فقلت له : إلى من توصي بي بعدك ؟ فقال : أي بني : لا أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه غلا رجلا بنصيبين ، فلما تم لحد صاحبي وغيب في القبر ، فشددت العزم ، ولحقت به ، وأخبرته خبري فأحسن قراي ، وشملني بحنانه ، فأقمت عنده فوجدته كما وصف لي ، وصحبته طويلا واستفدت من حاله ، حتى به نزل به ما نزل بمن قبله .
فقلت له : بمن توصي بي ؟ فصدقني وقال : لا أعلم أحدا بقي على أمرنا إلا رجلا بعمورية ، فلحق به .
فلحقت بصاحب عمورية ، وصحبته ، واكتسبت عنده بقرات وغنيمة ، ثم ما لبث أن احتضر ، فاستوصيته فقال : أي بني : لم يبق أحد على ظهر عمورية مستمسكا بما كنا عليه ، لكنه قد أظل زمان يخرج فيه بأرض العرب نبي، يبعث على الحنيفية السمحة دين إبراهيم ، ثم يهاجر إلى أرض ذات نخل ، وله علامات ثلاث ، فحفظها عني:
1 ـــ يأكل الهدية
2 ـــ لا يأكل الصدقة
3 ـــ بين كتفيه خاتم النبوة
فإن استطعت أن تلحق زمنا طويلا بعدما فجعت بصاحبي ، وأنا أترقب واسأل ، إلى أن مرت قافلة من تجار العرب ، فقلت بشوق وشغف : إن حملتموني معكم إلى أرض العرب ، لأعطيكم ما معي من بقر وغنيمة.
فقالوا : نعم ! فأعطيتهم ما معي ، حتى إذا بلغنا وادي القرى ، فغدروا بي وباعوني لرجل من اليهود! فالتحقت بخدمته ، ثم باعني من رجل من اليهود بني قريظة ، ونقلني معه إلى يثرب فرأيت النخيل فتذكرت قول صاحبي بعمورية ، وعرفتها من يومئدذ بالوصف الذي ذكرها لي .
زكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو قومه في مكة ، ولكن صاحبي القرظي لا يعرف الرحمة وكيف تكون ، فدأبني على العمل الشاق ليل نهار في خدمة النخيل ! وهذا شيء لم أكن أعلمه من قبل ؛ لأني عشت ف قرية عند أبي ، كما يعيش أولاد الملوك والأمراء .
فلم أتمكن من شدة تعبي ، من البحث والسؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى دارت الأيام دورتها ، فهاجر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يثرب وأنا في رأس نخلة أصلحها ، والشمس تقذف بشعاعها على رأسي كالسهام المحماة ، يغلي منها دماغي ! وسيدي جالس تحتها ، إذأقبل ابن عم له وقال: قاتل الله بني قيلة!.
فقال : ويحك لم ؟
قال : لأنهم قد اجتمعوا في قباء على رجل قدم عليهم من مكة يزعم انه نبي ! فما سمعت مقالته حتى اختلجت فرحا كنا يختلج من مسه المس من الجن ، فخشيت أن أسقط على سيدي ، وبادرت مسرعا إلى النزول ، حتى صرت ثالثهما وطلبت منه ان يعيد علي الحديث!ز
فما كامن من سيدي اليهودي إلا أن جمع يده ولكمني لكمة شديدة وقال لي : ما لك ولهذا الحديث الفضولي إ عد إلى ما كنت عليه من عمل ! فواصلت عملي حتى دخل وقت المساء وأرخى الليل ستوره ، وعلمت أن سيدي قد استغرق في نومه فاخذت بعض ما أستحقه من التمر ، وتوجهت خفية إلى قباء ، مشيا على الأقدام ، فاستأذنت على رسول الله ، فأذن لي ، ودخلت عليه ، وإذا وجهه كأنه فلقة قمر ، وحديثه يهز القوب ، ويذرف العيون.
فأردت أن اقف على العلامات التي حفظتها من صاحب عمورية ، فقلت له : إنه بلغني أنك رجل صالح , ومعك اصحاب محاويج، وهذا شيء كان عندي للصدقة ، فقدمته بين يديه .
فقال لأصحابه : هلموا فكلوا نصيبكم ، وأمسك بيده عن الأكل .
فقلت في نفسي : هذه واحة من ثلاث .
ثم انصرفت من مجلسه ، ولم يعلم احد ما كنت أحمل في قلبي من الفرح والسرور ، حتى نسيت تعبي وجهدي في عملي ، فعدت إلى نخلي وشرعت أجمع شيئا من التمر .
فسمعت أن رسول الله قد تحول من قباء إلى المدينة ؛ فجئته وسلمت عليه ، وقلبي يزداد انجذابا وتعلقا به .
فقلت له : هذه هدية أقدمها لك , فأكل منها , وأذن لأصحابها فأكلوا معه فاستبشرت وقلت في نفسي : هذه الثانية .
ثم جئته في المرة الثالثة ، فإذا هو ببقيع الغرقد ، حيث كان يواري أصحابه ، فرأيته على شفير القبر ، يذكر الله ويدعو ، وعليه شملتان ، فسلمت ، وأصحابه حوله كالكواكب المستنيرة ، ثم تحينت أن أنظر إلى ظهره ، لعلي أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحب عمورية .
فلما رآني عليه الصلاة والسلام ، أطيل النظر إلى خلفه ، عرف غرضي فأرخى رداءه عن ظهره لأتمكن منه ، وإذا به كما وصفه صاحبي ، فانكببت عليه أقبله ، وأبكي بكاء الثكلى !.
فقال عليه الصلاة والسلام : ما خبرك ؟ لما رأى من شدة البكاء .
فسردت عليه الصلاة والسلام ما جرى لي ، فأعجب كثيرا من هذه القصة ، وأحب أن أسمعها لأصحابه ، لما فيها من دروس وعبر .
فرضي الله عنك يا سيدي يا سلمان .
فقد أعطيت درسا كبيرا للأجيال المتتابعة ، في الصبر على المكاره ، وتحمل أبعء تميع دونها الصخور الراسيات ، في سبيل طلب الخير والوصول إلى الصواب.